هل سبق وقضمت تفاحة ثم تركت ما تبقى منها لسبب ما. لتلاحظ بعد مرور بضع ساعات بأنها قد أخذت بالتحول إلى اللون البني ؟

إن تلك الظاهرة ليست سوى نموذج واضح ومبسط لما يعرف بالأكسدة.

ما حدث هو أنه عندما تعرضت التفاحة للهواء ، بدأت عملية تفاعل بين الانزيمات الموجودة بداخلها (تحديدا انزيم البوليفينول اكسديز Polyphenol Oxidase وانزيم كاتيكول اكسديز Catechol Oxidase) وبين الاكسجين ، بالإضافة إلى ذرات الحديد والنحاس الموجودة في التفاحة. حيث تخسر جزيئات التفاحة الالكترونات كرد فعل كيميائي إثر احتكاكها بالأكسجين. محدثة تأثيرا أشبه ما يكون بالصدأ.

تطال الأكسدة جميع الكائنات الحية من بكتيريا ونباتات وحيوانات وبشر. وهي جزء لا يتجزأ من العملية الحيوية للجسم. حيث أن استهلاك الطاقة ينتج بالضرورة الذرات الحرة كحصيلة ثانوية. أي أن وجود الأكسدة أمر طبيعي وحتمي. لكنه يتخذ منحنى سلبيا عندما تزداد عدد الذرات الحرة عن عدد العناصر المضادة للأكسدة. وهو ما يعرف بالإجهاد التأكسدي._­¹  حيث تتفلت الذرات الحرة لتعبث عبثها في أعضاء الجسم. مسببة بذلك أعراض لا يحمد عقباها في حال لم يتم التحكم بالأمر. تتحول الجزيئات لذرات حرة عندما تفقد إلكتروناتها وتتحول من روابط زوجية إلى ذرات فردية حرة. مما يجعلها مهيئة للتفاعل السلبي الذي يتمثل في أكسدة العناصر المحيطة بها. وتترجم آثارها في التلف التدريجي الذي يصيب الأعضاء. تماما مثل التفاحة.

يعتبر الإجهاد التأكسدي هو المسبب الصامت للعديد من الأمراض². منها السكر وأمراض القلب والأوعية الدموية ، والالتهابات ، والزهايمر ، واضطراب القولون العصبي. كما أنه الدافع الرئيسي للشيخوخة³.

هناك عدد من الأمور التي تتسبب بالإجهاد التأكسدي ، أبرزها ما يلي:

• عدم النوم لساعات كافية: حيث يتسبب ذلك بإجهاد الجسم الذي يضطر لاستهلاك مخزون أكبر من المعتاد للطاقة في حين يجب أن بنعم بالراحة الكافية.

• الضغط النفسي: هناك علاقة طردية بين الضغط النفسي والإجهاد التأكسدي. إن تعرض الأنسان لموجات مستمرة ومتكررة من المشاعر السلبية القوية مثل الاكتئاب والحزن والقلق يتسبب بارتفاع مزمن لهرمون الكورتيزول والذي يرفع بدوره عدد الذرات الحرة على المستوى الخلوي للجسم. إن الاجهاد التأكسدي الذي يحدثه ارتفاع نسبة الكورتيزول يمتد إلى الحمض النووي. الذي يعتبر اللبنة الأساسية في تكوين الجسم. لذلك ينبغي محاولة تخفيف الضغوطات النفسية بشتى الوسائل الصحية ، والابتعاد قدر الإمكان عن كل ما يشكل مصدرا للتوتر.

• التدخين والكحول: تحتوي السيجارة الواحدة على آلاف المواد الضارة للجسم. منها الارسينك الذي يستخدم كمبيد للحشرات ، والأمونيا الذي يستخدم في المنظفات والأصباغ الملونة. والأسيتون الذي يستخدم كمزيل لطلاء الأظافر. أما بالنسبة للكحول فهو أكبر مسبب لجفاف أعضاء الجسم ، كما أنه يكلف الكبد جهدا مرهقا للتخلص منه.

• استهلاك عدد أكبر من اللازم من السعرات الحرارية: إن النهم الزائد تجاه الطعام لا يتسبب فقط في خلق مظهر غير مستحب للجسم. بل يستهلك طاقة الجهاز الهضمي والميتوكندريا الذي يتعرض للإعياء جراء عمله الغير متوقف في التمثيل الغذائي لكميات كبيرة من الطعام.

• الوجبات السريعة والحلويات: حيث غالبا ما تحتوي على زيوت مهدرجه ونكهات وألوان صناعية وسكريات. جميعها تتسبب بالإجهاد التأكسدي للجسم.

كيف يمكننا التصدي للإجهاد التأكسدي؟

بالإضافة إلى تفادي المسببات المذكورة أعلاه ، يمكن وضع حد للإجهاد التأكسدي عن طريق اتباع نظام غذائي مليء بالعناصر المضادة للأكسدة ، منها ما يلي:

• فيتامين سي (Vitamin C): وهو موجود في الليمون والكيوي والبرتقال والطماطم والفلفل البارد ( أو ما يعرف بالفلفل الرومي ) والبروكلي والتوت والفراولة وغيرها.

• فيتامين إي (Vitamin E): ويمكن الحصول عليه عن طريق تناول زيت الزيتون والمكسرات والسبانخ والأفوكادو والصويا وغيره.

• كو-انزيم كيو 10 (Coenzyme Q10): هذا العنصر أقل شهرة من فيتامين إي وفيتامين سي على الرغم من أنه ضروري لجميع خلايا الجسم. كما يقوم بإنتاجه بشكل طبيعي. ولكن يمكن الحصول على المزيد منه عن طريق تناول اللحوم الحمراء خاصة الكبد ولحم البقر ، إضافة إلى اللحوم البحرية مثل السلمون والتونة الطازجة والسردين.

• البيتا-كاروتين (Beta-Carotene): يمكن الجزم بأن جميع الفواكه والخضار ذات اللون البرتقالي تحتوي على البيتا-كاروتين مثل الجزر والخوخ والمشمش واليقطين والمانجا والبابايا والبطاطس الحلوة وغيرها.

• العسل الطبيعي والزنجبيل والكركم: حيث تتكون من مجموعة مركبة من مضادات الأكسدة الفعالة.

• شرب ماء الهيدروجين: وهو اقوى مضاد للأكسدة على الإطلاق.

كذلك يجب الحرص على ممارسة التمارين الرياضية باعتدال. بحيث لا يقل وقتها الإجمالي عن ساعتين في الأسبوع الواحد ، ولا تزيد عن عشرة ساعات. وألا تزيد حصة التمرين الواحد عن ساعتين، لأن الإفراط الشديد في ممارسة التمارين الرياضية يتسبب بالإجهاد التأكسدي.⁴

كما تعد ممارسة التنفس العميق في المناطق ذات الهواء النقي مثل الحدائق والشواطئ وغيرها وسيلة ممتازة للحد من الأكسدة داخل الجسم.